إن انعدام التفكير العلمي الصحيح، والجهل بأسس الاستقراء و الاستنباط، وفساد الاستدلال، يقود الى نتائج خاطئة، بل كارثية أحيانا.
إن انعدام التفكير العلمي الصحيح لدى جل الشعوب هو السبب الرئيسي للتخلف عبر التاريخ، بل سبّب للبشرية الكثير من المآسي والنزاعات والموت والدمار والشقاء، ربما على نحو يفوق ما نتصور.
فأخطاء التفكير سبب رئيسي في التعصّب والتزمّت والانغلاق أيضا الذي يقود للكراهية والحروب بين البشر، وهو سبب رئيسي في انتشار الخرافة والجهل الذي يؤدي للمرض وقلة الإنتاج وسوء الإدارة والتخلف الاجتماعي والاقتصادي.
ان للتفكير الصحيح منهجاً يمكن تعلُّمه وتعليمه، وأن تدريسه في المدارس والجامعات والدورات التدريبية ضرورة، كما أن الجانب الأهم في أي دراسة أو محاضرة أو كتاب أو مقالة هو ما قد يُعلِّمنا إياه من أساليب التفكير السليم.
لان ثورة المعلومات وانفجارها وطوفانها وفيضانها، لا يجدي كثيراً بدون تفكير علمي صحيح، فالتفكير الصحيح يبقى الأهم دائماً، لأنه هو من يخلق من هذه المعلومات معرفة مفيدة جديدة، بينما قد يحوّل التفكير المغلوط المعلومات الكثيرة إلى وبالٍ وسوء مآل. أما الإبداع والتقدم العلمي والاختراع، والتقدم في الأفكار والدراسات الإنسانية، إنما قامت جميعاً على أساس من التفكير العلمي الصحيح. وفي ما يلي بعض أساسيات التفكر العلمي الصحيح بشرح مبسط:
أسس التفكير العلمي الصحيح
الأساس الأول
هو الادراك بانه ليس ثمة في الوجود فكرة لا تخضع للنقاش و الفحص و إعادة النظر فيها مهما كان عدد أتباعها و المعتنقين لها، ولا توجد حقيقة مسلّم بها بشكل مطلق بحيث لا تقبل النقد و إعادة التفكير، وليس ثمة ما يمنع من البحث في مدى صِدقيِّةِ أي فكرة، حتى لو كانت تقول إن : (اثنان + اثنان يساوي أربعة ) ومحاولة التأكد منها و تمحيصها و محاولة إثباتها بالعقل والتجربة.
الأساس الثاني
هو أنه لا يمكن الوصول للتفكير العلمي الصحيح إذا لم ننتبه للمؤثرات النفسية، التي تجعل التفكير يحيد عن منهج المنطق والعلم والحقيقة، ومن تلك المؤثرات ميلنا الدائم إلى تصديق ما نرغب في أن يكون صحيحاً، وميلنا لتصديق ما يواتي مصالحنا وقناعاتنا السابقة، ورفض ما قد يخالفها أو يناقضها، إضافة إلى ميلنا لرفض كل ما قد يناقض فكرة كنا ضحينا لأجلها، وإلى رفض ما ينافي كل ما هو شائع وراسخ ومتعارف عليه.
الأساس الثالث
أن من أكثر العوامل التي تؤدي لتدني مستوى التفكير العلمي الصحيح هو الاعتماد على أفكار مقدسة أو جاهزة تأخذ شكل قوالب فكرية و لفظية، وعبارات متداولة ومحفوظة بشكل مقولات ، أو أمثال شعبية، أو عبارات متوارثة عبر الأجيال، يتناقلها الناس دون أن يعيدوا التفكير فيها عن مدى جدواها و صحتها . لذا يجب الانطلاق من التفكير المحض باعتماد العقل و المنطق المجرد حين تناول المسائل الفكرية و الابتعاد التام عن الأفكار الجاهزة و المقولات المأثورة و غيرها .
الأساس الرابع
هو ضرورة الانتباه لمحاولات الإيحاء والتأثير النفسي ، ومحاولات مخاطبة الرغبات والعواطف، التي ترافق عادة الترويج لبعض الأفكار، ولاسيما في مجال الإعلام والتسويق والسياسة، وفي مجال ترويج بعض الأفكار العَقَديَّة أو الحزبية أو القومية أو الإقليمية، حيث يجب أن نتعلم التفريق بين الفكرة التي تقوم على أساس من المنطق والواقع والحقيقة، والفكرة التي تقوم على المغالطات و على مخاطبة الرغبات الدفينة ومكنونات اللاشعور والحاجات والرغبات النفسية، وتؤثر فيها وتصوّر لها الباطل حقاً.
الأساس الخامس
هو الالمام الجيد بأسس المنطق الصحيح و مهارات الاستنتاج و الاستقراء ، لأجل الاستدلال ومحاكمة صحة أي فكرة أو مقولة. وكذلك في معرفة و ادراك مغالطات التفكير، ولاسيما المغالطات التي يكثر الوقوع فيها، كالمغالطات الناتجة عن التضليل الذي قد تحدثه الأرقام والنِّسَبُ عند سوء التعامل معها أو سوء فهمها، ومغالطة اعتبار واقعة ما سبباً في حدث أو شيء لمجرد التتالي بين الحدثين، والمغالطات القائمة على الاستنتاج بالقياس إلى عينات قليلة لا تكفي للحكم على الكل ،و مغالطة حشد الأدلة المؤيدة و التغاضي عن الأدلة النافية ... وهي مغالطات نقع فيها عادة أكثر مما نظن.