تجربة كالهون العلمية الغريبة وماذا نستنتج منها

تجربة كالهون العلمية الغريبة وماذا نستنتج منها

في ستينيات القرن العشرين، قام عالم السلوك الأمريكي جون بومباس كالهون John B. Calhoun بتجربة علمية غريبة عجيبة، تسمى تجربة كالهون، أو "الحوض السلوكي Behavioral sink"، للتأكد من ماذا يحدث للحيوانات إذا تم وضعهما في مكان خالي من الأعداء و تتوفر فيه كل شروط العيش الرغيد، حيث لا يوجد لهم أعداء من الطبيعة؟

تجربة كالهون هي من أغرب التجارب العلمية في العالم! وكانت حول هل يمكن للحيوانات العيش في رفاهية مطلقة بدون أعداء ؟ وهذا ما كان عالم السلوك الأمريكي جون كالهون يبحث عن إجابته في عام 1970. وهذه كانت نتيجة هذه التجربة العلمية الغريبة.

تجربة جون كالهون العلمية

بين عامي 1958 و1970، أجرى عالم السلوك الأميركي جون ب. كالهون (1917-1995) دراسة سلوكية على فئران أسيرة داخل حاوية تبلغ مساحتها تسعة أقدام مربعة، في منشأة ريفية في بولسفيل بولاية ميريلاند.

قام عالم السلوك الأمريكي جون كالهون بتوفير مكان واسع للفئران مزود بطعام وشراب وافر وخالي من الأعداء وذو طقس جميل.

في البداية قاموا بوضع أربع أزواج من الفئران البنية، وسرعان ما لبثوا في التكاثر وبدأ تعداد الفئران يزداد، ووصل عددها إلى 2200 فأر وظهر الاكتظاظ بينهم.

ومع ذلك بعد مرور 315 يوم بدأت خصوبة الفئران في الانخفاض، واصبح عدد الفئران 600 فأر فقط وظهر بينهم التسلسل الهرمي، والميل للانعزال والكآبة.

كذلك بدأت نفسية ذكور الفئران في الانهيار، وكنتيجة لذلك بدأت الفئران الكبيرة في مهاجمة باقي المجموعة، وتخلت إناث الفئران عن دورهن في حماية أنفسهن وصغارهن إلى إظهار العداء تجاه صغار الفئران.

بمرور الوقت وصل معدل وفيات الفئران الصغيرة إلي 96٪ وأنخفض معدل الإنجاب، وظهرت المثلية الجنسية بين ذكور الفئران، وأكل الفئران لحوم بعضهم البعض على الرغم من توافر الطعام.

تم ولادة آخر فأر في التجربة بعد مرور عامين من بدايتها، وفي عام 1972 ماتت جميع الفئران في تجربة الكون 25.

دراسات كالهون المبكرة على القوارض

بدأ كالهون تجاربه ودراساته المبكرة على القوارض عام 1947، عندما درس مجموعة محتجزة من الجرذان النرويجية في حظيرة في روكفيل بولاية ميريلاند.

وعندما بدأ كالهون يقدّم لها كميّات غير محدودة من الطعام والماء، كان يتوقع أن تتضخم أعدادها لتصل إلى نحو 5 آلاف خلال مدة التجربة البالغة 28 شهراً. إلا أن العدد الأقصى الذي وصلت إليه لم يتجاوز المئتين بعد تقسيمها إلى مجموعات يتألف كلٌّ منها من اثني عشر جرذاً فقط.

استمرت هذه الدراسات خلال خمسينات القرن الماضي، وأنشأ كالهون حاوية أكثر تعقيداً لدراسة سلوك مجموعات أخرى من القوارض في بيئة معقمة وخالية من الحيوانات المفترسة. فكانت الحوادث تجري بالتسلسل نفسه في كل مرة خلال تلك التجارب:

تلتقي الفئران وتتزاوج وتتكاثر بأعداد كبيرة، ويحدث في نهاية المطاف شكل من أشكال الاستقرار في الأعداد.

بعد ذلك، تتخذ القوارض سلوكيات عدوانية منغلقة أو سلبية ومعادية للمجتمع. وتبدأ الأعداد في التراجع حتى تصل إلى الانقراض.

وفي عام 1962، نشرت مجلة "ساينتفيك أميريكان Scientific American " الملاحظات التي توصّل إليها العلم جون كالهون من خلال أبحاثه في مقالة بعنوان "الكثافة السكانية وعلم الأمراض الاجتماعية"، حيث ابتكر مصطلح "الانحطاط السلوكي" لوصف نتائج الاكتظاظ السكاني - أي تعطّل الوظائف الاجتماعية وانهيار السكان - في بيئة القوارض المغلقة.

واعتبر الكثيرون المقالة بمثابة تحذير لما يمكن أن يحدث للجنس البشري إذا استمر عدد السكان في الارتفاع بالمعدل الحالي، لا سيما أنه صدر في الوقت الذي أدى فيه التوسع الحضري الهائل إلى تدفق أعداد متزايدة من متخرّجي الجامعات إلى المدن الكبرى بحثاً عن فرص العمل.

الكون 25: تجربة كالهون في جنة القوارض

كانت تجربة كالهون البحثية النهائية توسعةً لدراساته السابقة. ففي "الكون 25"، سينمو عدد الفئران داخل حاوية مساحتها 2.7 متر مربع تتكون من أربع حظائر، و256 مقصورة للمعيشة و16 جحراً تؤدي إلى موارد الطعام والمياه.

وسوف تستمتع الفئران بجميع الكماليات التي تكافئ الحياة البشرية الحديثة في بيئة خالية من الأوبئة، مع وفرة وسائل الراحة وغياب المفترسين، بالإضافة إلى إمدادات غير محدودة من الغذاء. فبدأ كالهون التجربة بأربعة أزواج من الفئران التي تتمتع بصحة جيدة تُركت حُرّة في الحاوية لبدء المجتمع الجديد.

تكيّفت الفئران مع محيطها الجديد خلال الأيام الـ104 الأولى، وهي المرحلة التي أطلق عليها كالهون اسم "فترة السعي"، حيث حددت مناطقها وبدأت في التعشيش. أعقب ذلك "فترة الاستغلال"، والتي شهدت تضاعف عدد الفئران كل 55 يوماً. وبحلول اليوم الـ 315، أصبح الكون 25 يحوي 620 فأراً.

على الرغم من وفرة المساحة في الحاوية - إذ يمكن أن تستوعب كل مقصورة ما يصل إلى 15 فأراً، وتبلغ سعتها الإجمالية 3 آلاف - إلا أن معظم الفئران كانت تتزاحم في مناطق محدودة وتأكل من مصادر الطعام نفسها. فاتضح أن عملية الأكل تُعتبر نشاطاً اجتماعياً، ما دفع معظم الفئران إلى تفضيل السكن في عدد قليل من المقصورات.

لكن ذلك التجمّع والازدحام أدى إلى تراجع التزاوج، وسرعان ما انخفض معدل المواليد إلى ثلث مستواه السابق. كما حدث خلل اجتماعي بين الفئران:

كان ثلث الفئران مُهيمناً اجتماعياً.
تبين أن الثلثين الآخرين كان لديها مهارات اجتماعية أقل من أسلافها.
مع تراجع مهارات الترابط بين الفئران، دخل الكون 25 في مرحلة تدهور بطيء لا يمكن عكس مسارها.

المكانة الاجتماعية في الكون 25

بحلول اليوم 315، أصبحت التفاوتات السلوكية بين الذكور ذوي المكانة العالية وذوي المكانة المتدنية أكثر وضوحاً. حيث وجد أولئك الذين كانوا في أسفل الترتيب الاجتماعي أنفسهم مرفوضين من الإناث، فانسحبوا من عملية التزاوج تماماً.

وبما أنه لم يكن لدى هؤلاء الذكور المنبوذين دور يتعين عليهم القيام به في مجتمع الفئران، ابتعدوا عن المجموعات الكبيرة وأخذوا يأكلون وينامون بمفردهم، وأحياناً يتقاتلون في ما بينهم.

وفي المقابل، أصبح الذكور المهيمنون أكثر عدوانية وشراسة، وغالباً ما كانوا يندفعون للعنف دون أي استفزاز أو دافع واضح. وكان هؤلاء الذكور في بعض الأحيان يتجولون ويغتصبون الفئران الأخرى بصورة عشوائية بغض النظر عن جنسها.

أما الذكور التابعون - أي الذين صُنفوا بين الذكور المهيمنين العدوانيين والذكور الخاضعين المنبوذين - فأصبحوا جبناء وخاملين، وغالباً ما انتهى بهم الأمر إلى أن يكونوا متلقين سلبيين للعنف. وفي كثير من الأحيان، كانت تحدث حمامات دم تنتهي بأكل المنتصرين لأبناء جنسهم.

ومع تخلي الفئران الذكور عن أدوارها التقليدية في الكون 25، تُركت مهمة الدفاع عن الأعشاش للإناث، وهكذا تبنّت العديد من الإناث أنماطاً سلوكية أكثر عدوانية كانت تتحول أحياناً إلى عنفٍ تجاه صغارهن. كما كانت بعض الإناث يمتنعن عن أداء واجبات الأمومة تماماً، فيتخلين عن صغارهن وينسحبن من عملية التزاوج، الأمر الذي تسبب في عواقب وخيمة:

تجاوز معدل وفيات الفئران الرضّع في بعض المقصورات 90 في المئة.
أطلق كالهون على ذلك اسم "مرحلة الركود" والتي تُعرف أيضاً باسم "فترة التوازن".
عزا كالهون الأنماط السلوكية العدوانية والسلبية بصورة مُفرطة إلى انهيار الأدوار الاجتماعية والتمركز المُفرط للتجمعات.

ارتفاع كبير في معدّل الوفيات

بحلول اليوم 560، توقفت الزيادة السكانية تماماً حيث كان معدل وفيات المواليد يحوم عند مئة في المئة. فكان هذا يمثّل بداية "مرحلة الموت" - المعروفة أيضاً باسم "فترة الموت" - حيث بدأت جنة القوارض تنزلق نحو الانقراض.

ووسط هذا العنف والعدوانية والعزوف عن التزاوج، وصل جيل أصغر من الفئران إلى مرحلة النضج دون أن يتعرف أبداً على العلاقات الطبيعية والصحية. ومع غياب مفاهيم التزاوج والأبوة وتحديد مناطق السيطرة، أمضى هذا الجيل من الفئران كل ساعات استيقاظهم في الأكل والشرب والعناية بأنفسهم.

أطلق كالهون على هذه الفئران اسم "الجميلين"، في إشارة إلى مظهرهم المثالي ووبرهم المهندم. وبما أنهم كانوا يعيشون منعزلين عن بقية الفئران، نجا الجميلون من العنف والصراعات التي اندلعت في المناطق المزدحمة، ومع ذلك لم يقدموا أي مساهمات اجتماعية.

وبحسب كالهون، كانت مرحلة الموت تتكون من مرحلتين: "الموت الأول" و"الموت الثاني". حيث تتصف مرحلة "الموت الأول" بفقدان أي هدف في الحياة يتجاوز مجرد الوجود فيها: أي انعدام الرغبة في التزاوج أو تربية الصغار أو أداء دور داخل المجتمع. ويمثّل هذه المرحلة الحياة الكسولة لـ "الجميلين"، في حين أن مرحلة الموت الثاني اتصفت بنهاية الحياة فعلياً وانقراض الكون 25.

نهاية تجربة الكون 25

قال كالهون في وقت لاحق شارحاً ملاحظاته عن "الجميلين" إن الفئران، مثل البشر، تزدهر من خلال الشعور بالهوية والهدف في عالمها. وقال إن تجارب مثل الضغط والتوتر والقلق والحاجة إلى البقاء تجعل الانخراط في المجتمع أمراً ضرورياً.

أما عند تلبية جميع الاحتياجات وعدم وجود الصراع، فيتجرّد فعل الحياة من كلّ معنى ويتحوّل إلى الحاجات الفيزيولوجية الأساسية من الأكل والنوم. ويرى كالهون أنه:

هنا تكمن مفارقة الحياة بدون عمل أو صراع.
عند تجريد حياة الفرد من كل شعور بالحاجة، لا يعود للحياة هدف.
الفرد يموت روحياً.

وبالتدريج، أصبح عدد الفئران التي ترفض التزاوج أو الانخراط في المجتمع يفوق عدد الفئران التي شكّلت العصابات واغتصبت ونهبت وحصلت على غذائها بنفسها. وحدث آخر حمل معروف في الكون 25 في اليوم 920، حيث بلغ عدد السكان ذروته عند 2200 فأر، وهو أقل بكثير من سعة الحاوية التي تبلغ 3 آلاف.

ومع أنه كان هناك إمدادات لا حصر لها من الغذاء والماء والموارد الأخرى للفئران، إلا أن هذا لم يكن مهماً. فقد بدأ "الانحطاط السلوكي"، وأصبح من المستحيل إيقاف الكون 25 من المضي نحو مصيره المحتوم. وبعد مدة وجيزة، لم يتبق أي فأر حي في الحاوية.

محاولة الإنقاذ الفاشلة والملاحظات الختامية

قبل أن تنهار جنة القوارض انهياراً كاملاً، أخرج كالهون بعض "الجميلين" ليرى ما إذا كانوا سيعيشون حياة أكثر إنتاجية في حال إطلاقهم في مجتمع جديد خالٍ من المجازر والصراع الاجتماعي.

فوُضعت هذه الفئران في بيئة جديدة فيها عدد قليل من السكان، وهو سيناريو مشابه للسيناريو الذي بدأت فيه الأزواج الأولى في الكون 25. وتوقع كالهون أن تستفيق تلك الفئران الجميلة من غيبوبتها الاجتماعية وتستجيب لنداء الطبيعة لملء البيئة القاحلة.

إلا أن الفئران التي جرى نقلها لم تُظهر أي علامات على التغيير في أنماطها السلوكية السابقة، ورفضت التزاوج أو حتى التفاعل مع أقرانها الجدد، فماتت الفئران المنعزلة في النهاية لأسباب طبيعية، وانهار المجتمع الجديد دون ولادة أي فئران جديدة.

يرى كالهون أن ازدهار الكون 25 ثم انهياره يُبرهن 5 نقاط أساسية حول الفئران والبشر أيضاً:

الفأر كائن بسيط، ولكن يجب أن يكتسب مهارات التودد للجنس الآخر، وتربية الصغار، والدفاع عن منطقة السيطرة، وأداء الدور الشخصي على الجبهة المحلية والمجتمعية. وإذا فشل في تطوير هذه المهارات، فلن يتكاثر الفرد ولن يجد دوراً مُنتجاً داخل المجتمع.
جميع الكائنات تكبر وتموت تدريجياً مثل الفئران، وليس هناك ما يشير إلى أن المجتمع البشري ليس معرضاً للتطورات نفسها التي أدت إلى انقراض الكون 25.
إذا تجاوز عدد الأفراد المؤهلين عدد الفرص المتاحة في المجتمع، فإن النتيجة الحتمية هي الفوضى والعزلة.
الأفراد الذين ينشؤون في ظل الظروف الأخيرة سوف يفتقرون إلى أي علاقة بالعالم الحقيقي، وستكون تلبية الحاجات الفيزيولوجية دافعهم الوحيد في الحياة.
مثلما تزدهر الفئران من خلال اتباع مجموعة من السلوكيات المعقدة، فإن الاهتمام بالآخرين الذي طورته المهارات والتفاهمات البشرية في عصر ما بعد الصناعة أمر حيوي لاستمرارية الجنس البشري. ويمكن أن يؤدي غياب هذه الصفات ضمن الحضارة إلى انهيارها.

أعمال كالهون بعد الكون 25

عام 1972، شارك كالهون ملاحظاته حول نتائج جنة القوارض في مقالة بعنوان "الموت المضاعف: النمو الانفجاري وهلاك مجتمع الفئران". اكتسبت هذه المقالة سمعة سيئة على الفور بسبب نظرته القاتمة إلى عواقب اكتظاظ المجتمع بالسكان وإشباعه المُفرط.

فنظراً لكل الصراعات التي كانت تضرب العالم في السنوات التي سبقت نشر الدراسة مباشرة - حرب فيتنام، وأعمال الشغب العرقية، والاغتيالات السياسية، والحرب الباردة، والثورة الثقافية في الصين - كان الجمهور خائفاً من أن النتائج التي توصل إليها كالهون تشير إلى مسار البشرية في ذلك الوقت.

ويبدو أن الأمثلة حول ارتكاب الفئران أعمال المجازر وأعمال النهب في أعقاب الاكتظاظ السكاني كانت تعكس الاضطرابات الاجتماعية في المجتمع البشري في عقدي الستينات والسبعينات من القرن الماضي، والتي تزامنت مع زحفٍ عمراني غير مسبوق.

لكن على الرغم من الأمثلة القاتمة التي أوردها كالهون في ملاحظاته، إلا أنه لم يكن يحاول الإيحاء بأن البشرية تسير في طريق مماثل نحو الانقراض. ومع أنه رأى بالتأكيد وجوه تشابه بين انهيار الكون 25 وبعض علل المجتمع، إلا أنه شدد على أن البشر - باعتبارهم نوعاً أكثر تعقيداً - لديهم الحكمة والبراعة لعكس هذه الاتجاهات.

فرغم كل شيء، يملك البشر العلوم والتكنولوجيا والطب، وكلها تمنح البشرية القدرة على:

تحديد العلاقة السببية
تفادي الكوارث
شفاء الجروح والأمراض
استكشاف بيئات جديدة

كما أشار أيضاً إلى أن الكون 25 لم يكن موطناً طبيعياً، إذ كان مزوداً بكميات وفيرة من المواد الغذائية والكماليات، وخالياً من الحيوانات المفترسة والأمراض.

ضلال تجربة كالهون على الحياة البشرية؟

ومع ذلك، كان كالهون يخشى أن تتجه البشرية نحو هلاك مماثل إذا أصبحت المدن مكتظة وتضخم عدد السكان بما يتجاوز قدرة سوق العمل على الاستيعاب. ومن أجل مساعدة المجتمع على إيجاد وسائل لمنع حدوث ذلك، أمضى جزءاً من حياته المهنية اللاحقة في استكشاف أشكال مختلفة من التقدم البشري امتدت إلى مفهوم استعمار الفضاء.

وشكّل كالهون من أجل هذه الغاية فريقاً أكاديمياً أُطلق عليه اسم "أشبال الفضاء"، كان هدفه هو الترويج لفكرة قيام البشر بإنشاء مستعمرات على كواكب أخرى.

كما ركز كالهون أيضاً على تخطيط المدن، إذ شعر بأنه ضروري لتجنب الانحطاط السلوكي الذي وقع في الكون 25. وكان يعتقد أن تصميم المدن يُعدّ مسؤولاً جزئياً عن كيفية تفاعل السكان مع بعضهم البعض، وأنه يجب اتخاذ خطوات أخرى إلى جانب التنمية للحفاظ على التواصل الإيجابي بين الناس.

وضمن جهوده للترويج لمفاهيم بديلة لتصميم المدن، أجرى كالهون خلال العقدين التاليين تجارب على نموذج جنة القوارض بالاشتراك مع أكثر من 10 علماء آخرين. وحظي عمله في هذا المجال بتقدير كبير لدى مجالس تخطيط المدن في الولايات المتحدة وخارجها.

تجربة كالهون وتساؤلات القرن الحادي والعشرين

مرت أكثر من أربعة عقود على تجربة الكون 25 التي أجراها كالهون، ومع ذلك لا يزال هناك أسئلة في ما يتعلق بالملاحظات التي استخلصها من انهيار جنة القوارض.

وأكثر تلك الأسئلة إلحاحاً هو مسألة عدد السكان الذي يمكن أن يتجاوز 9.6 مليارات نسمة في العالم بحلول عام 2050 إذا بقينا على مسارنا الحالي. لذلك يثير هذا الاتجاه السكاني مخاوف عديدة:

هل ستستمر البشرية في الازدهار إذا تجاوز عدد السكان عدد الوظائف المتاحة؟
وماذا عن التقنيات الثورية التي تسمح للمنتجات أو الابتكارات الجديدة بإلغاء مجالات عمل كاملة، أو تحوّل أداء مهمة كانت تتطلب الكثير من الأيدي العاملة إلى ضغطة زر؟
إذا عفا الزمن على معظم الوظائف بسبب التكنولوجيا، فما الذي سيدعم الاقتصاد؟
وهل ستصبح قطاعات كبيرة من السكان معوزة، أم هل ستدعم طبقة المليارديرات الجميع؟
كيف سيؤدي الناس وظيفتهم ويتفاعلون مع بعضهم البعض في عالم لا يكاد أحد يعمل فيه؟
وهل يمكن أن يطوّر الفرد مهارات التعامل مع الآخرين عندما لا تكون هناك حاجة لمتابعة علاقات العمل في العالم الخارجي؟

يبدو أن البشر والفئران متشابهون إلى حد ما، على الأقل عند مقارنة أبحاث كالهون بحضارة العصر الحديث.

أنظر أيضا: 5 حقائق غريبة عن جسم الإنسان.

ماذا نستنتج من تجربة كالهون

قال الله تعالى : (ولو بسط الله الرزق لعباده لبغوا في الأرض ولكن ينزل بقدر ما يشاء إنه بعباده خبير)

لو تأملت الآية و حاولت ربطها بالتجربة أعلاه لأدركت ان المنظور الإلهي للكون يختلف عن المنظور الإنساني و بالتالي لا يمكن ان نحكم على قوانين الخالق من منظور انساني. لأن العدل الإلهي مفهومه يختلف عن العدل الإنساني.

استُخدم عمل كالهون كنموذج حيواني للانهيار المجتمعي، وأصبحت دراسته حجر أساس لعلم الاجتماع الحضري وعلم النفس بشكل عام.

وأكدت الدراسة فرضية كالهون القاتمة التي بناها على دراسات سابقة لتكاثر الجرذ النروجي في بيئات صغيرة. حيث اقترحت نظرية كالهون أن الزيادة السكانية تؤدي إلى انهيار الوظائف الاجتماعية، وأن ذلك يؤدي بدوره إلى الانقراض.

أشار العالم لويس مومفورد أيضًا إلى عمل كالهون في كتابه "المدينة في التاريخ"، قائلاً:

"كان الجزء الأكبر من هذه التجربة القبيحة عائداً بالكامل إلى الاكتظاظ السكانيّ وحده؛ تشخيص يدعمه اليوم اختبارات علمية أجريت على الجرذان - عندما وضعت هذه الجرذان في حجرات عيش مكتظة بالتساوي، ظهر عليهم نفس أعراض الضغط النفسي، العزلة، العدائية، الانحراف الجنسية، الفشل الأبوي، والعنف المتزايد الذي نراه اليوم في المدن الكبرى."

ورغم الجدل الكبير الذي أثارته نظرية كالهون عندما نُشرت لأول مرة، إلا أنه مع مرور الوقت، أصبح هناك قلق من أن الانهيار الاجتماعي للكون ربما يمثّل في نهاية المطاف المسار الذي يمضي عليه الجنس البشري. لذلك كان مشروع "جنّة القوارض" موضوع اهتمام بالنسبة للمهندسين المعماريين ومجالس تخطيط المدن والهيئات الحكومية في جميع أنحاء العالم.

من هو جون كالهون؟

جون كالهون John Calhoun صاحب التجربة العلمية

جون بومباس كالهون (بالإنجليزية: John B. Calhoun)‏ هو عالم سلوك حيوانات وباحث سلوكي أمريكي ، ولد سنة 1917 وتوفي سنة 1995، واشتهر بدراساته حول كثافة السكان وأثرها على السلوك.

ادعى كالهون أن الآثار الموحشة التي تخلفها الزيادة السكانية على القوارض كانت نموذجًا مظلمًا لمستقبل الجنس البشري.

خلال دراساته، صاغ كالهون مصطلح «الاضمحلال السلوكي behavioral sink» لوصف السلوكيات الشاذة في حالات الاكتظاظ السكاني و مصطلح «الأشخاص الجميلون beautiful ones» لوصف الأفراد غير النشطين الذين انسحبوا من التفاعلات الاجتماعية.

حظي عمل جون كالهون باعتراف على الصعيد العالمي. تحدث في العديد من المؤتمرات حول العالم، وسعت مجموعات مختلفة إلى الحصول على رأيه كوكالة ناسا وفريق مقاطعة كولومبيا المعني بدراسة الاكتظاظ في السجون المحلية.

استُخدمت دراسات كالهون على الجرذان كأساس لتطوير نظريات إدوارد تي هال حول القربيات Proxemics، وهو مصطلح يطلق على النظريات والدراسات التي تصف وتفحص إشارات الافراد، التي يتبادلونها من خلال أخذ مسافة معينة من بعضهم البعض. وهو أحد فروع علم النفس وعلوم التواصل.

خلاصة تجربة كالهون على القوارض

بعدما توالدت أزواج عدة من الفئران في الحاوية المعروفة باسم "الكون 25"، ووصل عددها إلى 2200 فأر. وفي النهاية، أنشأت الفئران أنظمة اجتماعية ضمّت فصائل داخل تلك الأنظمة وخارجها، لكن سرعان ما توقف التزاوج تماماً.

أكدت الدراسة فرضية كالهون القاتمة التي بناها على دراسات سابقة لتكاثر الجرذ النروجي في بيئات صغيرة. حيث اقترحت نظرية كالهون أن الزيادة السكانية تؤدي إلى انهيار الوظائف الاجتماعية، وأن ذلك يؤدي بدوره إلى الانقراض.

لذلك كانت تجربة "جنّة القوارض" التي قام بها جون كالهون، موضوع اهتمام بالنسبة للمهندسين المعماريين ومجالس تخطيط المدن والهيئات الحكومية في جميع أنحاء العالم.

وهذا بحث حول تجربة كالهون PDF باللغة الإنجليزية لمن يريد التعمق اكثر في هذه الدراسة أو الاستزادة.