قصة الأمير والقاضي العادل، هي قصة قصيرة جميلة ورائعة ومعبرة جدا من التراث الإنساني. وتحمل في طياتها عبرة بليغة حكمة رائعة.
واليك في ما لي قصة الأمير والقاضي والحكمة منها، ونرجو أن تنال اعجابك قراءة ممتعة:
قصة الأمير والقاضي
أراد أحد الأمراء أن يتحقق بنفسه من صحة ما قيل عن وجود قاض عادل في إمارته، لا يستطيع أحد من المحتالين أن يخدعه، فتنكر الأمير في زي تاجر. وامتطى جواده، وعند مدخل المدينة اقترب منه رجل كسيح يلتمس صدقه، فأعطاه فاذا الكسيح يتشبث بردائه. التفت التاجر إلى الكسيح، وسأله : ما الذى تريده بعد؟ ألم أعطك صدقة؟وقال الكسيح : بلى ، ولكن أفعل معي معروفا، وخذني إلى ساحة المدينة ، فأجابه الى طلبه ، وأردفه خلفه، وفى الساحة رفض الكسيح النزول عن ظهر الجواد.فنهره التاجر قائلا: ما الذى يجلسك ؟ هيا انزل ، لقد وصلنا.قال الكسيح: ولم النزول والجواد ملكي؟وعندما اشتد بينهما النقاش، تجمع الناس حولهما، واقترحوا عليهما الذهاب الى القاضي.مضى الاثنان إلى القاضي، وكان الناس متجمعين فى المحكمة، والحاجب ينادى على المتخاصمين حسب الدور، فاستدعى القاضي نجارا وسمانا ، كانا يتنازعان نقودا بيد النجار.قال النجار: اشتريت من هذا سمنا، وعندما أخرجت محفظتي لأنقده الثمن ، أختطفها من يدى محاولا انتزاع النقود ، وهكذا جئنا اليك ، يده على يدى ومحفظتي ، ولكن النقود نقودي.أما السمان فقال : هذا كذب. جاء النجار إلى ليشتري سمنا ، وبعد ان ملأت له إبريقا كاملا، طلب منى أن أفك له قطعة ذهبية ، فأخرجت المحفظة ، ووضعتها على الطاولة فأخذها وأراد الهرب، فأمسكت بهمن يده ، وجئت به إلى هنا.صمت القاضي ، ثم قال : اتركا النقود هنا واحضرا غدا.وعندما حان دور التاجر والكسيح، قص التاجر ما حدث ، ثم أشار القاضي للكسيح أن يأتي بحجته.قال الكسيح هذا كذب كله، كنت أمتطي جوادي في ساحة المدينة، أما هو فقد كان جالسا على الأرض فطلب منى أن أحمله، فسمحت له بركوب الجواد ، ونقلته الى المكان الذى يرغب، ولكنه لم يرد النزول، وادعى ملكيته للجواد ، فكر القاضي ، ثم قال : اتركا الجواد عندي، واحضرا غدا. في اليوم التالي اجتمع المتخاصمون للاستماع إلى حكم القاضي.فتقدم النجار والسمان أولا لمعرفة الحكم قال القاضي للنجار : النقود ملكك ، ثم أشار الى السمان قائلا :أما هذا فاضربوه بالعصا خمسين مرة.ثم استدعى الحاجب التاجر والكسيح ، فوقفا بين يدى القاضي لسماع الحكم.فسأل القاضي التاجر : هل تستطيع معرفة جوادك من بين عشرين جوادا؟قال التاجر : نعمفسأل القاضي للكسيح : وأنت ؟فقال الكسيح : نعمثم أخذهما القاضي الى الاسطبل ، فأشار التاجر في الحال إلى جواده وقد ميزه من بين عشرين جوادا، وكذلك تعرف الكسيح على الجواد .عاد القاضي إلى مكانه، وقال للتاجر : الجواد جوادك فخذه ، أما الكسيح فاضربوه بالعصا خمسين مرة.بعد انتهاء المحاكمة ذهب القاضي إلى بيته . فسار التاجر خلفه . فالتفت القاضي إليه وسأله: ما الذى تريده؟ أم انك غير راض عن قراري ؟أجاب التاجر: بلى ، ولكنى أردت أن أعلم كيف عرفت أن النقود ملك النجار وليست للسمان ، وأن الجواد لي ، وليس للكسيح؟قال القاضي : أما أمر النجار والسمان ، فقد وضعت النقود في قدح ماء ، ثم نظرت اليوم صباحا الى القدح لأرى ما اذا كان السمن طافيا على سطح الماء، فلو كانت النقود عائدة للسمان ، لكانت ملوثة بيديه الدسمتين ، ولطفا السمن في القدح.وأما معرفة مالك الجواد فكانت أصعب ، فالكسيح أشار مثلك في الحال الى الجواد من بين عشرين جوادا ، ولكنني لم اقدكما إلى الإسطبل لأرى ما اذا كنتما ستتعرفان على الجواد : بل لأرى ايكما سيتعرف الجواد عليه ، عندما اقتربت أنت منه التفت برأسه ، ومده إليك ، وعندما اقترب الكسيح إليه رفع أذنيه وقائمته مستنكرا، وهكذا عرفت أنك صاحب الجواد.فقال التاجر آنذاك: أنا لست تاجر، بل أنا أمير البلاد جئت إلى هنا لأعرف حقيقة ما يقال عنك . وها أنا أرى الان أنك قاض حكيم ، فاطلب منى ما شئت لأكافئك به.قال القاضي: أنا لا أحتاج مكافأة على أداء عملي بصدق وإخلاص.
الحكمة من قصة الأمير والقاضي العادل
العبرة من هذا القصة أن الذكاء من شروط تولي القضاء، وان العدل أساس الملك. وأنه مع القاضي الذكي والعادل لا تضيع الحقوق، وأن الإنسان الصالح لا يحتاج مكافأة لأداء عمله بإخلاص، كما اثبت ذلك هذا القاضي الذكي والعادل ذو الحنكة والخبرة، واذا كان عدل هذا القاضي هكذا فلماذا لا نثق في عدالة رب العباد ونسخط دائما! يكفي من يراقبنا من الأعلى والله على كل شيء وكيل.